responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 183
فِي ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ اللَّهُ، فَهُوَ يَرِثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، أَيْ يَسْتَمِرُّ مُلْكُهُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ زَوَالِ الْبَشَرِ كُلِّهِمُ الْمُنْتَفِعِينَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَهُوَ يَمْلِكُ مَا فِي ضمنهما تَبَعًا لَهُمَا، وَهُوَ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُ النَّاسُ مِنْ بُخْلٍ وَصَدَقَةٍ، فَالْآيَةُ مَوْعِظَةٌ وَوَعِيدٌ وَوَعْدٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَازِمُ قَوْله: خَبِيرٌ.
[181، 182]

[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 181 إِلَى 182]
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ مَا قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182)
اسْتِئْنَافُ جُمْلَةِ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْبُخْلِ لِأَنَّهُمْ قَالُوهُ فِي مَعْرِضِ دَفْعِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَاتِ، وَالَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ هُمُ الْيَهُودُ، كَمَا هُوَ صَرِيحٌ آخِرَ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَائِلُ ذَلِكَ: قِيلَ هُوَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ الْيَهُودِيُّ، حَبْرُ الْيَهُودِ، لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الْبَقَرَة: 245] فَقَالَ حُيَيٌّ: إِنَّمَا يَسْتَقْرِضُ الْفَقِيرُ الْغَنِيَّ، وَقِيلَ: قَالَهُ فَنِحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِسَبَبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى يَهُودِ قَيْنُقَاعَ يَدْعُوهُمْ، فَأَتَى بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَوَجَدَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى فنحَاص حَبْرهمْ، فَدَعَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ فَنِحَاصُ: مَا بِنَا إِلَى اللَّهِ مِنْ حَاجَةٍ، وَإِنَّهُ إِلَيْنَا لَفَقِيرٌ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا لَمَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ وَلَطَمَ فَنِحَاصَ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَشَاعَ قَوْلُهُمَا فِي الْيَهُودِ.
وَقَوْلُهُ: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ تَهْدِيدٌ، وَهُوَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ جَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهَا التَّعْرِيضَ بِبُطْلَانِ كَلَامِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُمْ أَتَوْا بِهَاتِهِ الْعِبَارَةِ بِدُونِ مُحَاشَاةٍ، وَلِأَنَّ الِاسْتِخْفَافَ بِالرَّسُولِ وَقُرْآنِهِ إِثْمٌ عَظِيمٌ وَكُفْرٌ عَلَى كُفْرٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ سَمِعَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ التَّهْدِيدُ عَلَى كَلَامٍ فَاحِشٍ، إِذْ قَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 183
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست